فرنسا المُسْعِفَة “زعما” للمغرب.. مساعدة بطعم الغدر السياسي ومنطق الأستاذية الموروث عن الحقبة الاستعمارية (فيديو)

لعل من محاسن الأزمات أنها تصبح مصفاة دقيقة تخرج الصديق قبل العدو من عيونها الضيقة، وتزن الصالح من الطالح. وبعد اجتياز هذا الاختبار بنجاح، يعيد المرء توضيب الصورة من خلال ترتيب الأولويات والمواقف، وكذا من سيكمل معه المشوار أو من ستتوقف به عجلة النذالة في منتصف الطريق، إما في محطتها الأخيرة أو إن هو تدارك ستصبح بالنسبة له محطة الانطلاقة من جديد نحو علاقات “سياسية” صحية ومثمرة.

منذ ستة أيام، اهتز أمان المغاربة بفعل زلزال أتى على إقليم الحوز برمته، جنوب البلاد، فأقبر قرى نائية عن آخرها. الفاجعة كانت أكبر من أن تصفها الكلمات أو أن تنسى صدها المدوي الأفئدة المكلومة، إثر فقدانها لعزيز أو صديق. وفي لحظة إنسانية بحثة، انبثق شعاع الأمل من الداخل قبل الخارج، وشمر المغاربة على سواعدهم تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، الذي قطع مُقَامَهُ بباريس وعاد على وجه السرعة إلى أرض الوطن حتى يتفقد رعاياه المصابين ويطمئن على أوضاعهم الصحية، داعيا الأطقم الطبية لأن تبدل قصارى جهدها لتجاوز هذه المحنة بأقل الخسائر الممكنة.

وفي خضم ضبابية المشهد ومحدودية إدراك هول الكارثة، بدأت تمتد الأيادي الصديقة المؤمنة بمنطق “بغيت نعاونك” وليس “واش نعاونك”، وما يفصل بين العبارتين من فرق في المعنى والمغزى، هو ما يفصل تماما بين الرباعي “إسبانيا، بريطانيا، قطر، الإمارات” الململمين لجراح المغرب وبين فرنسا الداهسة على جراحه. وبدل إمداد المغرب بخطة عمل محكمة تكون له إضافة نوعية في عمليات البحث عن المفقودين تحت الأنقاض، فضلت فرنسا الغاضبة على مستعمرتها الإفريقية سابقا، الانخراط في حملات إعلامية شعواء دمجت فيها السياسي بما هو إنساني، وكأنها تقول للمغرب “عمر العين ما تعلى على الحاجب” وقيام إفريقيا -والمملكة إحدى بناتها- رهين بالوجود الفرنسي، بينما ما عاشه المغرب من أفراح و أقراح خلال السنتين الأخيرتين قد أصاب الجمهورية الفرنسية في مقتل ولقنها درسا قاسيا في التعامل مع الشعوب ذات السيادة. والتاريخ سجل ولازال يسجل أن القارة الإفريقية لطالما شكلت الرئة التي تتنفس من خلال خيراتها فرنسا ذات النزعة الاستعمارية ونحن في أواسط الألفية الثالثة.

“وإن أتتك الفرصة على طبق من ذهب فلا تفوتها فمن يدري متى وأين أو حتى كيف ستستطيع الانقضاض على من يزعجك لاحقا أو يشكل تهديدا لوجودك”. هذا المونولوج يدور في الآونة الأخيرة وبكثرة في خْلْدْ الدولة العميقة الفرنسية، التي ترى في المغرب منافسا شرسا بدأ يسحب منها بساط التواجد داخل إفريقيا، متناسية أن المملكة ولجت القارة متسلحة بمبدأ رابح- رابح. أما إيمانويل ماكرون ومن سبقوه إلى قصر الإليزيه فقد اعتمدوا سياسة “ادخلوها بصباطكم واستنزفوها كما شئتم”. واستقبال مواطن إفريقي للملك محمد السادس، بالأحضان اليوم الثلاثاء 12 شتنبر الجاري، بمناسبة تفقده لأحوال الناجين من ويلات زلزال الحوز، لهو خير دليل على أن الأشقاء الأفارقة يرون في العاهل المغربي أبا روحيا وسندا حقيقيا يحتضنهم أوقات الشدة قبل الرخاء. ولهذا، لم يكن عصيا على الفهم كيف قفزت المعاول الفرنسية الهدامة إلى هرم السلطة بالمغرب وانخرطت في الإساءة له، لأنه ببساطة يا سادة لا يقبل بنصف موقف ولا بنصف ردة فعل أو حتى نصف كلمة، خصوصا فيما يتعلق بالقضايا القومية التي يعتبرها المغرب “النظارة التي يرى منها وبها العالم”.

وبالمناسبة، نحيط علما السيد إيمانويل ماكرون أن إحدى الفرق البرلمانية الفرنسية قد خرجت بتصريح صريح، كشفت من خلاله أن للمملكة المغربية كامل الحق أن تقبل أو ترفض أي عرض مساعدة بغض النظر عن مصدره، مادامت دولة ذات سيادة فهي الأدرى بما يناسبها وفق احتياجاتها المرصودة من مواقع الكارثة الطبيعية التي ألمت بها. وأن الجدل الذي رافق مسلسل المساعدات المتوافدة عليها يبقى أجوف لأنها دولة قائمة بذاتها ولها من المقومات ما يعينها على تدبير أزمتها على نحو أفضل.

ولكل ما سبق، نقول لفرنسا التي انقطع عنها ثدي إفريقيا المِدْرَارْ ، نعم فإن العين تستطيع أن تعلو على الحاجب متى ما تخلف هذا الأخير عن شَغْلْ موقعه بالشكل الصحيح وقطار السياسة أو حتى الإنسانية لا يقف على أحد.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى