جماعة العدل والإحسان بين نارين… إما الوقوف في صف الدين أو في صف “الشيطان”، فماذا ستختار ؟

العارفين بخبايا فكر جماعة العدل والإحسان في المغرب، يعلمون جيدا أنه خلافا لما تحاول الجماعة تصديره لأتباعها وللرأي العام، بكون “المرجعية الإسلامية” بالنسبة لها خط أحمر وأن سبب وجودها أصلا هو الاستماتة في الدفاع عن الدين وعن شرع الله، (فخلافا لهذا) فهي في الواقع جماعة براغماتية بامتياز، قد تتجاهل هذه الشعارات وقد تصل بها البراغماتية، عملا بمبدأ “الضرورات تبيح المحظوارت”، إلى لبس ثوب الحداثة والعلمانية، رغم محاربتها لهذا النوع من الفكر أشد محاربة.

الجميع يعلم أن الجماعة (على غرار جماعة الإخوان المسلمين وباقي التيارات الإسلامية بما فيها العدالة والتنمية) لن تتوان عن التحالف مع الشيطان نفسه إذا كانت لها مصلحة في ذلك، وستجد ألف سبب وسبب لتبرير ضربها لمبادئها عرض الحائط من أجل مصلحة أو هدف معين قد يتحقق لها -وكما قلت- من وراء تحالف براغماتي مع الشيطان نفسه.

ناهيك طبعا عن كونها جماعة منافقة وازدواجية ومتناقضة إلى أبعد حد بين ما تدعيه أنها تعمل من أجله وما تعمله بالفعل، حيث ينطبق عليها الحكمة المصرية المأثورة القائلة: “أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب”.

ما هي مناسبة هذا الكلام؟

مناسبة هذا الكلام، هو ما حدث مؤخرا ويحدث من تصدع داخلي في الجماعة، على إثر بث قناة “ريفيزيون” على “اليوتيوب”، لحوار مستفز مع اللاجئ العراقي المقيم بالسويد الذي قام بإضرام النار عمدا، وبشكل متواتر ومتكرر، في نسخ من القرآن الكريم.

بث الحوار تسبب في إحراج كبير للجماعة، حسب الأصداء الرائجة في الأوساط الحقوقية والسياسية المقربة منها، وكذلك وسط مريديها والمتعاطفين معها الناشطين على المنصات الاجتماعية الذي استغربوا في تعاليق لهم، صمت الجماعة وقياديها عن هذا الأمر.

بل أكثر من ذلك، الموضوع (أي بث الحوار إياه) خلّف تصدعا داخليا محتدما وسط قياديها وقواعدها أيضا، لعدة اعتبارات.

أولا لأن أحد قياديي الجماعة البارزين، عمر إحرشان، العضو في الدائرة السياسية للجماعة، هو أحد أعضاء فريق برنامج “المغرب في أسبوع” الذي تبثه قناة “ريفيزيون”، وبالتالي، يُفترض أنه غير مقبول بتاتا أن تقوم منصة كهذه ببث محتوى متطرف مناهض للدين ومستفز لمشاعر ملايين المسلمين وتتحول إلى بوق لتيار معادي للإسلام، بينما أحد أعضاء نفس المنصة وأحد المساهمين الرئيسيين فيها هو في الأصل، قيادي بارز في جماعة إسلامية تنبذ وتشجب أفعالا كهذه، بل وتُنصّب نفسها الناطقة والمدافعة عن دين الإسلام ومقدساته في جميع بقاع العالم.

وثانيا، لأن الجميع يعلم أن قناة “ريفيزيون” تعتبر ذراعا إعلاميا غير رسمي (إن صح التعبير) لجماعة العدل والإحسان أو منصة إعلامية “من الباطن” على غرار إحدى الأساليب المعروفة في عالم المال والأعمال.

فالمعروف أن الجماعة تستغل القناة لتمرير أطروحاتها المعادية للبلاد على لسان عضو دائرتها السياسية عمر إحرشان، بغض النظر عن الاختلافات الإيديولوجية والمبدئية الكبيرة مع مرجعيات رواد القناة “الحداثيين” و”العلمانيين” أمثال فؤاد عبد المومني والمعطي منجب وبوبكر الجامعي والبكاري وغيرهم.

لكن وكما قلت في البداية، بالنسبة للجماعة، هذا لا يهم. فهم مستعدون للتحالف مع الشيطان نفسه من أجل مصالحهم، طالما تحالفهم هذا لا يمس (على الأقل ظاهريا) بشعاراتهم التي يصدّرونها لأتباعهم ومريديهم وللرأي العام عموما.

إلا أن الأمور على ما يبدو قد خرجت عن السيطرة وبات لزاما على الجماعة اتخاذ قرار بشأن الموضوع، لكن في نفس الوقت لا تريد التراجع عن استغلال القناة كمنصة لتمرير خطابها، خصوصا وأنها يجمعها تحالف براغماتي مشبوه مع “الحداثيين” و”الديمقراطيين” و”العلمانيين” أمثال المعطي منجب وعبد المومني، كما أنها مترددة في اتخاذ موقف من شأنه إحراج المتحالفين معها أو من شأنه إعطاء انطباع بنشوب خلاف بين التيارين (أي تيار الجماعة وتيار المعطي وعبد المومني).

الجماعة تجد نفسها اليوم بين نارين ! إما أن تكون جماعة إسلامية غيورة على دينها كما تدعي أو أن تثبت للجميع أنها جماعة انتهازية إن لم نقل “شيطانية” تتخذ من الإسلام غطاء لها فقط.

فإما عليها اتخاذ موقف حازم وصارم تجاه قناة “ريفيزيون” جراء بثها للحوار إياه، فتكون بذلك قد حافظت الجماعة على صورتها كجماعة غيورة على الإسلام ومقدساته ومستميتة في الدفاع عنها.

وفي هذا الصدد، هناك عدة اختيارات يُفترض أن تلجأ إليها، كأن تتبرأ في بيان رسمي مما أقدمت عليه القناة، أو أن تجبر عضو دائرتها السياسية عمر إحرشان على الانسحاب نهائيا من الإشراف على برنامج القناة وعدم المساهمة فيه بأي شكل من الأشكال، أو على الأقل أن تطالب القناة بتنزيل اعتذار أو توضيح بشأن الموضوع.

وإما أن تُرجّح الجماعة كفة مصالحها ومصالح تحالفها البراغماتي مع المشرفين “الحداثيين” على القناة، على كفة “الدين” ومقدسات الدين، عملا بمبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”، من خلال المراهنة على النسيان بعامل الزمن، دون اتخاذ أي ردة فعل تجاه ما صدر عن القناة، مع الموافقة على إبقاء إحرشان عضوا في فريق القناة ومواصلة مساهماته في برنامج “المغرب في أسبوع” الذي يخدم أجندات الجماعة.

في جميع الحالات، الجماعة أبانت بما لا يدع مجال للشك أن الدين مجرد “رأس مال” وغطاء تتاجر به وفيه من أجل مصالح أخرى خبيثة لا علاقة لها بالدين. لكن، يُفترض (إذا ما تبقى لها من ذرة حياء) أن تحافظ على ماء وجهها، بإبداء موقف واضح وصريح في الموضوع، أو على الأقل أن يبادر عضوها عمر إحرشان بإبداء موقف في هذا الشأن.

أما الصمت المُطبق الذي عبرت عنه الجماعة إلى حدود الساعة، لا يعني إلا شيء واحد: أنها مُوافقة على كل ما صدر من القناة، بما فيه موقف المعطي منجب السابق بدعم فعل حرق القرآن كأسلوب ديمقراطي للتعبير الرأي، وعلى أنها موافقة أيضا على كل ما قد سيصدر عن نفس القناة من محتويات قد تتعارض مع مرجعيات ومبادئ الجماعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى