“نشطاء العرائض”… طابور خامس مجند لخدمة “الإجرام” و اللاقانون

ابتلينا في المغرب مؤخرا بصنف من أشباه الحقوقيين والمثقفين والقانونيين والسياسيين (السابقين)، لم يعد لهم نشاط آخر في السنوات الأخيرة سوى التوقيع على العرائض، لدرجة أصبح من الواجب التفكير جديا في إطلاق لقب “نشطاء العرائض” عليهم وعلى كل من يسير على خطاهم.

طبعا ليس هناك أي عيب أو مشكل في “العرائض” كشكل نضالي احتجاجي متحضر ومشروع. لكن العيب أن يتم توظيفها في غير محلها أو لغايات مشبوهة، و أحيانا لغايات يندى لها الجبين.

أشباه الحقوقيين والمثقفين والقانونيين والسياسيين الذين أتحدث عنهم، لا يوقعون على عرائض من أجل استنكار مناورات خصوم المملكة المتربصين بالوحدة الترابية والوطنية. لا يوقعون على ما من شأنه الدفاع عن حوزة الوطن ومصالحه العليا. لا يوقعون على عرائض من شأنها خدمة المجتمع المغربي بكل فئاته. حيث من الواجب على المجتمع المدني والنخب السياسية والحقوقية وغيرها، المساهمة من موقعهم وبالصفات التي يحملونها في إسداء خدمات من هذا النوع، خصوصا إذا كانوا ينشطون داخل هيئات جمعوية تحمل صفة “المنفعة العامة”.

جل العرائض (إن لم أقل كلها) التي وقعوا عليها هؤلاء، كانت إما من أجل الترافع على قضايا شخصية ضيقة أو قضايا خارجية “ثانوية” تأتي على حساب مصالح الوطن الأولى، إما من أجل نصرة مُغتصِب أو مُختلِس أو فاسد.

واليوم ها هم يوقعون على عريضة لنصرة “مجرم” أدين قضائيا بـ 3 سنوات سجنا من أجل جناية “الضرب والجرح المفضي إلى القتل دون نية إحداثه”. ويتعلق الأمر بالعريضة التي تم التوقيع عليها ضد ما سُمي بـ”المحاكمة الاستثنائية” لعبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية في قضية مقتل الطالب اليساري محمد آيت الجيد بنعيسى.

الجميع يعلم الخلفيات المشبوهة وراء هذه العريضة. والجميع يعلم أيضا الدوافع التي تحرك المتزعمين الواقفين أصلا وراء هذه العريضة، ويتعلق الأمر بكل من فؤاد عبد المومني والمعطي منجب، للمتاجرة بملف كهذا على غرار متاجرتهم بملفات سابقة.

حتى القياديين ومناضلي حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه المعني بالأمر، لم ينخرطوا في هذه الحملة المشبوهة، ليكونوا قد أكدوا ضمنيا على أنها (الحملة) ليست في محلها وأنها تخدم أهدافا مشبوهة هم في غنى عنها، وإلا كانوا سيكونون السباقين إليها عملا بشعار “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما”.

إن الذرائع التي جاءت في العريضة، من قبيل سبقية البث والتقادم والحكم المكتسب لقوة الشيء المقضي به وغيرها، من أجل ادعاء بطلان محاكمة عبد العالي حامي الدين، هي كلها ذرائع واهية وباطلة من الأساس. لأن أهل القانون سواء المشرفين على القضية كأطراف، أو المتابعين لأطوارها، يعلمون جيدا بأن محاكمة عبد العالي حامي الدين قانونية، وأنه لا لبس في قانونية المسطرة التي حُرّكت في حقه من طرف قاضي التحقيق في 2018، خلافا لما يدعونه “نشطاء العرائض” بكون المحاكمة تخرق القانون والدستور.

سبقية البث والتقادم والحكم المكتسب لقوة الشيء المقضي به وغيرها من المسوغات التي اتخذها أنصار “القاتل” لا تنطبق على هذا الأخير لعدة اعتبارات -أهل القانون أدرى بها- من بينها أن التهمة التي توبع من أجلها لا علاقة لها بالتهمة التي سبق أن أدين بها، كما أن ظهور أدلة جديدة، يتيح إمكانية المحاكمة من جديد.

وفي هذا الصدد كان ممثل النيابة العامة، خلال المرافعات بالمحكمة قد أكد أن سبقية البث التي دفعت بها هيئة دفاع المتهم تبقى ناقصة لأن المتابعة من جديد جاءت بناء على ظهور أدلة ووقائع جديدة على لسان الشاهد الخمار الحديوي. واستدل ممثل النيابة العامة بالعهد الدولي لحقوق الإنسان في المادة أربعين والتي تؤكد أن إمكانية محاكمة الشخص ممكنة في حال ظهور أدلة ووقائع جديدة.

ولكن، حتى وإن افترضنا جدلا أن مزاعم “المؤامرة” التي يدعونها “نشطاء العرائض” لنصرة “قاتل” ضد قتيله، (حتى وإن افترضنا جدلا) أنها صحيحة، فإنه من المستحيل أن يتم السماح بخرق القانون بالشكل السافر الذي يدعونه هؤلاء، فقط من أجل تصفية الحسابات كما يزعمون. مشكلة هؤلاء أنهم يظنون أن الجميع مثلهم. يظنون أن الجميع يمكنه مخالفة القانون والتخلي عن المبادئ والمرجعيات والإيديولوجيات والانتماءات، (كما يفعلون الآن) فقط من أجل مصلحة ضيقة أو من أجل تصفية حسابات معينة.

على هؤلاء أن يعلموا أنه إن كانت هناك من معركة يجب خوضها، فهي المعركة القانونية والقضائية بالحجج والبراهين في ساحات المحاكم، على المدان ودفاعه إما الانتصار فيها وتبرئة المعني بالأمر، إما الانهزام فيها وبالتالي ثبوت التهمة عليه والامتثال لحكم القضاء كأي مواطن، يُفترض ألا يكون فوق القانون.

أما المعارك الإعلامية والبلاغات والوقفات الاحتجاجية والعرائض وغير ذلك من الوسائل التي مع الأسف صارت تُوظّف من أجل الابتزاز والتشكيك في نزاهة واستقلالية مؤسسة دستورية والهروب إلى الأمام، بل حتى من أجل الإفلات من العقاب، فهي لن تفيد في شيء، لن تبرئ المدان ولن تسقط المتابعة في حقه، بل على العكس من ذلك، فهي ستزيد فقط من تعقيد وضع المعني بالأمر. كما ستسيء أكثر إلى أصحاب هذه المعارك الذين يصفون أنفسهم بالفعاليات الحقوقية والمدنية والسياسية والقانونية و و و و… ألا يوجد عاقل أو عقلاء وسط كل هؤلاء لينبههم إلى سوء ما يعملون؟؟ أو على الأقل أن ينأوا بأنفسهم على المشاركة في هكذا تحركات مشبوهة؟؟

إذا كان الجميع يعلم الدوافع والنوايا الخبيثة والمشبوهة التي تحرك أمثال فؤاد عبد المومني والمعطي منجب ونجل محمد زيان وغيرهم، للانخراط في مثل هذه الحملات المعادية للبلاد ومؤسسات البلاد، فكان الأجدر على أمثال إسماعيل العلوي وأمحمد الخليفة وغيرهم من الذين يفترض أنهم كانوا في وقت من الأوقات “رجال” دولة، ومسؤولين استفادوا، ولا زالوا، من امتيازات وخدمات وريع واللائحة طويلة، قبل أن يحملوا صفة “الحكماء” داخل التنظيمات التي ينتمون إليها، (كان الأجدر عليهم) ألا يقعوا في مستنقع الطابور الخامس، اللهم إذا قاموا بذلك عن وعي وسبق إصرار وترصد لغرض في أنفسهم.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن بيانا كان قد صدر عن الحركة التصحيحية لحزب التقدم و الاشتراكية بإحالة إسماعيل العلوي، القيادي البارز الذي يشغل مهمة رئيس مجلس رئاسة الحزب نفسه، “على لجنة المراقبة السياسية والتحكيم، ومحاسبته طبقا للقانون الأساسي للحزب وطبقا لالتزاماته الوطنية وخطه النضالي الذي رسمه رواد الحزب و طليعته المناضلة الوطنية الأصيلة”، بسبب توقيعه على عريضة مساندة للقيادي بحزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين.

المثير للاستغراب وربما للاشمئزاز، هي أن الكثير ممن وقعوا على العريضة المشبوهة إياها، كان يُفترض فيهم أن يقفوا في صف الضحية المغتال، إن لم يكن من أجل تقاسمهم معه نفس الإيديولوجية اليسارية والتقدمية ونفس الانتماء النضالي والحقوقي، فكان على الأقل من أجل عدالة ومشروعية قضيته وحقه الذي لا يجب في أي حال من الأحوال أن يُهدر كما هُدر دمه غدرا وعدوانا.

هؤلاء ويا أسفاه، اختاروا الاصطفاف إلى جانب “القاتل”، غير مكترثين على الإطلاق لأية مبادئ إنسانية كونية، وهذا طبعا ليس من أجل سواد عيون “المجرم” أو من أجل براءة مزعومة، بل من أجل استهداف نزاهة واستقلالية مؤسسة من مؤسسات البلاد العريقة، وإحدى ركائز دولة الحق والقانون التي لا يريد العدميون و”الطوابرية” أن يتم إرسائها في المغرب.

إذا كانوا هؤلاء يعتقدون أنهم بمناوراتهم هذه، سينالون ما يخططون له أو أنهم سيلحقون “وصمة عار” بالبلاد ومؤسساتها، فإنني أقول لهم من هذا المنبر: أعلى ما في خيلكم اركبوه !.

أما وصمة العار الوحيدة التي ستظل من وراء ما تعملون، هي تلك التي ستظل على جبينكم إلى يوم الدين، كونكم الأكثر إساءة إلى الطالب المغتال وإلى عائلته (ربما أكثر من القتلة نفسهم) التي تتهمونها ضمنيا بالتواطؤ في مؤامرة مزعومة، لا لشيء سوى لأنهم لا يريدون استرخاص دم ابنهم المهدور غدرا وعدوانا كما تسترخصون أنتم مبادئكم (إن كانت لكم مبادئ) وانتماءاتكم.

وتذكروا جيدا أن التاريخ لن يرحمكم أنكم اخترتم في يوم من الأيام الوقوف في صف القاتل على حساب القتيل، بدعوى استهدافه لكونه معارض، علما أنه قيادي في حزب قاد الحكومة لولايتين …

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى