تلميع مسار الشرطي القاتل مقابل تشويه صورة المقتول الفتى نائل.. الإعلام الفرنسي يدغدغ مشاعر الرأي العام الدولي للملمة الفضيحة

يبدو أن رصاصة الغدر التي أردت الفتى نائل قتيلا قد أصابت شظاياها أيضا فرنسا، كنظام سياسي يتخفى وراء أبواقه الإعلامية، طمعا في تحوير معالم الجريمة وبالتالي صنع بطل قومي من فلوريان مينيسبليه، الشرطي الفرنسي المتورط في جريمة قتل نائل ذي الأصول الجزائرية.
فمنذ وقوع الحدث الأليم وأبواق قصر الإليزيه تنشر المقالات تلو الأخرى، تروم من خلالها تلميع المسار المهني الخاص بالشرطي السالف الذكر، على اعتبارها إحدى الاستراتيجيات الناعمة التي تمس العموم في مشاعرهم، وقد تدفعهم للتعاطف مع “قاتل بالخطأ مزعوم” رغم أن القضاء الفرنسي قد وجه له تهمة القتل العمد وقررت إثرها اليوم الخميس، غرفة التحقيق بمحكمة الاستئناف في فرساي بمنطقة باريس تمديد حبسه الاحتياطي.
ولعل أول بوابة تنطلق منها مساعي دغدغة المشاعر واستلاب العقول، تكمن في التعرض لتنشئة ودراسة المعني بالأمر. وهنا أطلعنا الإعلام الفرنسي على أن الشرطي الذي أطلق النار على نائل، البالغ من العمر 17 عاما بدعوى رفضه الامتثال لتفتيش مروري، يُدعى فلوريان مينيسبليه، يعيش في بلدة بورنيل جنوب بوفيه، لا يتجاوزه سنه 38 عاما وقضى معظم دراسته في سان دوني دي بيل وليبورن وبوردو بمنطقة جيروند.
وفي بلاد يتحد فيها السياسي مع الإعلامي لتكريس توجهات النظام، فقد أطلق جان مسّيحة، السياسي اليميني الفرنسي عن حزب “الاستعادة” برئاسة إيريك زيمور، حملة جمع تبرعات عبر منصة Gofundme لدعم عائلة الشرطي الموقوف على ذمة القضية، تقترب اليوم من مليون ونصف يورو، ما أثار غضبا واسعا سواء في صفوف الجالية العربية والإفريقية أو حتى الفرنسيين أنفسهم، ممن اعتبروها استخفافا بمصيبة ذوي المرحوم نائل وتكريسا لمبدأ التجني على المهاجرين باسم استتباب الأمن.
وعلى النقيض من حالة الاحتضان والمؤازرة اللامشروطة التي حظي بها الشرطي فلوريان، فقد أمعن الإعلام الفرنسي في الطعن في سلوكيات العشريني نائل، المقتول برصاص العنصرية تجاه كل ما هو إفريقي وعربي، بحيث صوره لنا كشاب عاطل وغير ذي نفع يٌذكر.
وبالعودة إلى الشرطي قاتل الفتى نائل، فقد بحثت فرنسا ماكرون بعناية داخل صفحات أرشيفها الأمني واستخرجت ما تراه من منظورها نقاطا لامعة في مسار الظنين، كأن تسلط الضوء على خدمته العسكرية بأفغانستان وانضمامه لفوج المشاة الخامس والثلاثين المتمركز ببلفور، أو حتى سطوع نجمه إبان أزمة السترات الصفراء، كحارس أمن استحق بموجبها توشيح صدره بميدالية برونزية، بتاريخ 05 ماي 2021 قلده إياها ديدييه لالمينت، والي أمن باريس آنذاك، نظير عمله الدؤوب والمتفاني في خنق احتجاجات حركة السترات الصفرات خلال اشتغاله ضمن وحدة شرطة “BRAV-M إحدى الوحدات المتهمة باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، ليعين بعدها بمديرية النظام العام والمرور.
وفي المحصلة، فرنسا بشهادة خبراء العلاقات الدولية، تتقدم بخطى حثيثة نحو الهاوية بفعل تراكمات اجتماعية وسياسية كثيرة اختلطت فيها العنصرية بمنطق العصا لمن يعصى، فكانت النتيجة أن خرجت الأوضاع عن السيطرة ورابط الفرنسيون بالشوارع ليل نهار. في وقت يتخفى إيمانويل ماكرون داخل قصر الإليزيه ويفاوض الشعب برجالاته المتمرسين في قمع الاحتجاجات الاجتماعية وتهشيم وجوه النساء والرجال على حد سواء، وفاء لشعار الجمهورية ” حرية، مساواة، أخوة”. وعليه، يبقى مقتل الفتى نائل النقطة التي أفاضت الكأس. هل من مزيد؟؟؟.