كبرها تصغار.. المغرب يرفع سقف التحدي عاليا في وجه متهميه بالتجسس ويستعين بخبراء دوليين لإثبات براءته
“ما ديرش ما تخافش”، كذلك هو المغرب يتحرك دوليا بأريحية رغم الزوبعة الإعلامية الفرنسية التي وجد نفسه بطلا لها رغما عنه، بفعل قضية ما بات يعرف بالتجسس على هواتف الصحافيين والشخصيات العامة باعتماد برنامج بيغاسوس الإسرائيلي الصنع.
وإيمانا منه بأنه ما ضاع حق مادام ورائه مطالب، عقد المغرب العزم على أن يرد اعتباره بالقانون وأن يقتص من المشهرين به أمام المحاكم الدولية. رحلة استرداد ماء الوجه ورد الاعتبار بدأت بشجب ما تضمنه تقرير منظمتي فوربيدن ستوريز وأمنستي في حق المملكة بخصوص استخدامها المزعوم لبرنامج بيغاسوس التجسسي، لتقفي آثار حفنة من الصحافيين وبعض الشخصيات العامة على غرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لكن أصحاب التقرير المتحامل على المغرب ومن يحركهم خلف الكواليس لم تكفيهم لباقة المغرب الدبلوماسية والتي لخصها في بلاغ استنكاري يحمل بين سطوره إنذارا مبدئيا لعل المتحاملين يتراجعون عن غلهم ويصححون ما بدر منهم من هفوات اتجاهه.
لذلك، ارتأت المملكة أن تتجه لما هو أعمق وفقا لما يكفله القانون الدولي في هذا الباب. فرفع محامي المملكة بباريس السيد أوليفييه باراتيلي شكايتي تشهير أمام المحاكم الفرنسية ضد المنظمتين المذكورتين لأنهما تلطخان سمعة المغرب دون أن تقدما ولو دليلا ماديا واحدا قد يورط الأجهزة الأمنية المغربية في واقعة التجسس، رغم مطالبة المغرب بهذا الأمر في أكثر من مناسبة ومنذ سنة.
وفوق هذا وذاك، لم تقم الماكينة الإعلامية الفرنسية أي اعتبار للزيارة الرسمية التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس لفرنسا، بغية التباحث مع نظيرته الفرنسية بخصوص تداعيات قضية التجسس، حيث أكد المسؤول الإسرائيلي أن برنامج بيغاسوس لم يستخدم أبدا في التجسس سواء على ماكرون أو غيره من النواب الفرنسيين، فيما لا تزال التحقيقات جارية في إسرائيل في انتظار التوصل بنتائجها الحاسمة الكفيلة بإعادة ترتيب المشهد ووضع كل جهة في مكانها المناسب.
وأمام هذا التعنت اللامبرر والرامي إلى إلصاق تهمة التجسس بالمغرب “صحة” فإن المغرب ليس ب “الحيط القصير” السهل المنال أو القفز عليه دون خسائر تذكر. فبحسب آخر المستجدات، كشف محامي المملكة بفرنسا السيد باراتيلي أنه راسل وكيل الجمهورية بباريس ريمي هيتس، يقترح عليه رغبة المغرب في المشاركة الفعالة في التحقيق القضائي الجاري في هذا الملف المتشعب الأطراف.
“رحمة الله امرئ عمل عملا فأتقنه”، لسان حال المغرب ينبس بهذه المقولة، لأن أمنستي الكسولة بطبعها والتي عودتنا على إنجار تقارير عقيمة، زودها مختبر أمنها المعلوماتي بملاحظات تقنية لا ترقى أبدا إلى مستوى أدلة علمية وبنت عليها تقريرها، لأن الهواتف موضوع التجسس المزعوم عبر بيغاسوس تعرضت لنفس الهجمات. ولأن المغرب يهتم لأمر صحافييه ومعارضيه من باب العلم بالشيء ليس إلا، انخرطت المنظمة إياها في حشو تقريرها بما لذ وطاب لها من استنتاجات سريالية، نعم هي كذلك سريالية، لأنها ذهبت حد القول بأن الملك محمد السادس ومحيطه العائلي كانا محط تجسس أيضا. فلماذا قد تتجسس الأجهزة الأمنية المغربية على عاهل البلاد؟ هذا مربط الفرس الذي عجز ائتلاف “القصص الممنوعة” ومنظمة “اللغو” الدولية عن الإجابة عليه.
وتأكيدا لما كشف عنه محامي المملكة، فقد قرر المغرب الاستعانة بخدمات خبير له من الكفاءة العلمية والسيبرانية ما جعل خدماته مطلوبة دوليا لفضح مكامن الخلل والغموض في تقرير التجسس. الخبير دافيد زناتي أُنِيطَتْ به مهمة تفكيك شفرة هذا التقرير تقنيا والعودة بتقرير موازي مفصل قد تنجم عنه قرارات حاسمة في القادم من الأيام.
وعلاقة بما سبق، تضمنت رسالة محامي المغرب باراتيلي المرفوعة إلى وكيل الجمهورية بباريس نقاط مهمة تصب في صالح التحقيقات الجارية، من قبيل التزام المغرب بإطلاع القضاة الفرنسيين على نتائج البحث القضائي المزمع إنجازه تحت إشراف الوكيل العام للملك بالرباط، في الوقت الذي تبنى فيه قصر الإليزيه ورئاسة الحكومة الصمت خيارا.